قضايا و حوادث الوجه الآخر للمأساة.. ليبيون يعيشون الفقر وهاجسهم تعليم أبنائهم
يعتقد الكثيرون أن الليبيين المقيمين في تونس يعيشون ترفا لا مثيل له وأنهم لا يرضون بالسكن إلا في الأحياء الراقية كحي النصر والمنازه وحدائق قرطاج وسيدي بوسعيد وأنهم ينفقون بسخاء ويتسوغون شققا لا تقل عن الألف دينار شهريا.ولم يخف يعض الناشطين على الفايسبوك تبرمهم من كثرة توافد الليبيين على بلادنا بل اتهموهم بأنهم سبب الغلاء الذين تعيشه البلاد ..
أخبار الجمهورية حاولت فتح هذا الملف وخرجت بحقائق قد تصدم الكثيرين فالليبيون المقيمون في بلادنا ليس كلّهم كما يعتقد البعض في بحبوجة من العيش بل أن بعضهم اضطر للتسول وطلب المعونة للإنفاق على عائلاتهم .
بين الفقر والثراء
أكد لنا أحد الليبيين أن أغلب الأثرياء لم يستقروا في تونس بل هاجروا إلى دول الخليج وأوروبا حيث تتوفّر أحسن الظروف وكثير منهم كانوا على صلة بالنظام السابق واستفادوا منه وكسبوا المليارات .أما عن سبب خروجهم من تونس فيعود إلى خوفهم من تسليمهم إلى السلطات الليبية,أما من اختاروا بلادنا كوجهة لهم فهم من العائلات المتواضعة الإمكانات والذين اضطروا إلى بيع أثاثهم ومصوغهم ليتمكنوا من العيش في تونس...وعكس ما يعتقد كثيرون فإن أغلب الليبيين يعيشون في المدن الداخلية خاصة بجهة صفاقس وسوسة والمهدية ونابل وحتى في الأرياف بل أكد لنا أحد المستجوبين أن نساء ليبيات اضطررن للعمل في الضيعات الفلاحية من أجل قوت أبنائهن وحتى في منازل بعض الأثرياء ويعانون الأمرين بالنسبة لتحصيل قوتهم اليومي. «لقد مللنا الاتهامات بأننا ننفق بسخاء ونبذر أموالنا يمنة ويسرة».. بهذه الكلمات انطلق أبو ليث في الحديث معنا مضيفا «الليبيون الذين اختاروا البقاء في تونس ليسوا مخيرين بل مضطرون لأن بعضنا مهدد بالموت كما أن اخرون وقع نهب بيوتهم التي احتلها من يطلقون على أنفسهم «الثوار». أغلب العائلات الليبية المقيمة في تونس تعيش الفقر والحرمان وأكثر ما يحيرهم هو مستقبل أبنائهم الدراسي.هذا فضلا عن تكاليف الحياة الباهضة من معاليم كراء ومصاريف الحياة اليومية «مضيفا «يسخر منا وللأسف أشقاؤنا في تونس ويعتقد كثيرون منهم أننا نعيش في ترف وبذخ لكن الحقيقة التي قد تكون غابت عن البعض أن هناك من الليبيين من اضطر للسكن صحبة عائلته لدى معارفه من التونسيين» .
نعيش على الإعانات
التقيناه أمام السفارة الليبية بتونس يحمل بين يديه ملفا قال إنّه يحتوي على وثائق تهم أطفاله جاء يبحث عن عناوين المدارس الليبية لتسجيل أبنائه الثلاثة وأنه ينتظر أن تساعده المصالح القنصلية ليستطيع إعالة عائلته المتكونة من 9 أفراد..شيخ أخر التقيناه أخبرنا أنه تسوغ مسكنا بجهة باب الخضراء وأنه عجز عن دفع معينات الكراء المتخلدة بذمته لمدة فاقت ال5 أشهر وأن صاحب المنزل هدده برميه وعائلته خارج المنزل.وقد قدم للسفارة علها تمده بإعانة اجتماعية لكنها رفضت مده بذلك باعتبار أن هذه الإعانات مخصصة للجرحى ومصابي الثورة فقط .
مخاوف أمنية
رغم علاقة الجوار بيننا وبين الشقيقة ليبيا إلا أن هناك حملات ودعوات بلغت حد المطالبة بعدم استقبالهم خاصة في الفترة الماضية بعد احتداد المعارك في طرابلس وبنغازي مثلما طالب البعض بتخصيص ملاجئ لهم وهو ما اعتبره بعض المحللين السياسيين نوعا من المغالاة، في حين اعتبر اخرون أن هناك تهديدات أمنية قد تستهدف بلادنا خاصة إذا علمنا أن الوافدين نوعان فمنهم من يساند نظام القذافي ويعتبرون أن ما يعيشونه من مآس هو بسبب الثوار في حين يرى اخرون أنه على هؤلاء العودة إلى ليبيا لمحاكمتهم لأنهم ارتكبوا جرائم في حقهم .وهو ما لاحظناه أثناء قيامنا بهذا التحقيق إذ أن بعض الليبيين كانوا ينظرون إلينا بعين الريبة والشك ورفضوا الحديث معنا بل طالبنا بعضهم بهوياتنا حتى يطمئنوا إلى أننا لسنا من الاستخبارات...
فالمخاوف الأمنية من حدوث صدامات بين الموالين للقذافي والمساندين للثورة على التراب التونسي تزيد في إرباك حياة الكثير من الليبيين المغلوبين على أمرهم .
الحل لا يكون إلا ليبيا
أجمع الكثير ممن تحدثنا إليهم أن وضع حد لمعاناة الليبيين في تونس لن يكون إلا من ليبيا فلا سبيل لحل يقيهم من حياة التشرد والضياع إلا استتباب الأمن في ليبيا والمصالحة بين الجميع حتى تعود الاف الأسر التي لا تعرف شيئا عن مصير أبنائها خاصة وأن السفارة الليبية التي فتحت بعض المدارس لأبناء الليبيين تبقى غير كافية أما عن الطلبة الليبيين فإن وضعهم يبدو أكثر قتامة باعتبار غلاء تكاليف الدراسة في الجامعات الخاصة,وفي الجامعات العمومية تبدو الأمور أكثر تعقيدا خاصة على مستوى اللغة والاستظهار ببطاقة الإقامة.
تجاوز عدد اللّيبيين في تونس المليوني ليبي لجؤوا إلى بلادنا هربا من عدم استتباب الأمن وانتشار عصابات النهب والسرقة والحروب الطاحنة التي تعيشها طرابلس وبنغازي بين الفرقاء الذين اتحدوا ذات يوم لإسقاط الطاغية.هربوا طمعا في الأمن والاستقرار لكن يبدو أن قلة المال لدى بعضهم حول حياتهم إلى جحيم .ولم تعد تونس تمثل لهم الملجأ الامن باعتبار الغلاء وصعوبة التأقلم مع عالمهم الجديد.
بين هذا وذاك ظلّ الليبيون معلّقين بين الاغتراب في أرض ليست بأرضهم وبين وطن يرزح تحت النيران .
عبد اللطيف العبيدي